تعتبر حركة الاحتجاجات الأخيرة في جمهورية إيران الإسلامية الأضخم في العقود الأخيرة واللافت للنظر فيها هو أن من يخرج إلى الشوارع هم في المقام الأول إيرانيون وإيرانيات من جيل الشباب ، وقد وُلد أبناء جيل "زد" ، هذا المسمى أيضاً بجيل Zoomers ما بين عامي 1997 و2010 .
في هذا الصدد كتب معهد الشرق الأوسط بواشنطن في تحليل له أن أبناء جيل "زد" الإيراني قد حظوا بفرصة للحصول على معلومات وللتواصل مع العالم الخارجي أفضل من تلك التي أتيحت لآبائهم وأجدادهم ، مشيرا "إن إتاحة وسائل التواصل الاجتماعي لهم وحضورهم الفعال عليها قد منحهم قدرات تحليلية أفضل كما منحهم منصة للتعبير عن مطالبهم وشجاعة للتصريح بآرائهم" ، ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن صحيفة "جافان" اليومية الإيرانية شديدة الإثارة للجدل والتي تصدر إلكترونياً فإن 93% من المحتجين تقل أعمارهم عن الخامسة والعشرين .
في سياق متصل صرحت الصحافية الإيرانية-الألمانية ناتالي أميري مؤخراً لصحيفة تاجس-آنتسايجر (تصدر يومياً بالألمانية من زيورخ) أن "الإنترنت هو أهم سلاح يستخدمه المجتمع المدني" ، فلقد وجد الشعب الإيراني منذ زمن سبلاً لتجاوز الحواجز التي تضعها الرقابة ، فالتجارب التي مرت على هذا الشعب في السنوات الأخيرة قد جعلت من أفراده خبراء في مجال الإنترنت وحالياً تزدهر تطبيقات تتيح لهم إمكانية التحرك في شبكة الإنترنت بدون الإفصاح عن هوياتهم .
علاوة على ذلك تعلم الإيرانيون رجالاً ونساء في العقود الماضية شيئاً آخر ألا وهو : "التفرقة بين المعلومات ذات المصداقية والأخرى المزيفة" على حد قول الإيرانية "نيغين فينكلر" التي تعيش في سويسرا ، إنها قدرة هامة خاصة الآن حيث بدأت الحكومة في تشغيل ماكينة إعلامها شيئا فشيئا .
أما كيف تعمل هذه الماكينة فهو ما يظهر مثلاً من خلال المغني الإيراني شروين حاجي بور الذي أطلِق سراحه مؤخراً إذ كان قد اعتقل بعدما شوهدت أغنيته "براي آزدانه" (لأجل الحرية) أربعين مليون مرة على الإنترنت بل إنها أصبحت بمثابة النشيد الرسمي للاحتجاجات .
في هذه الأثناء مسح مقطع الفيديو الخاص بالأغنية من على حسابه بعدما أفرج عنه بكفالة ، أما على حسابه على موقع انستجرام فقد نأى حاجي بور بنفسه عن حركة الاحتجاجات إلا أن متابعيه متأكدون من أنه أُجْبِر على الادلاء بهذا التصريح .
ليس ما يجري في إيران مسألة بسيطة بأي شكل والمسألة في غاية التعقيد فلب المسألة هو فشل النظام الإيراني في تلبية تطلعات جيل جديد لا علاقة له من قريب أو بعيد بشعارات يطلقها نظام يعتبر الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة "الشيطان الأكبر"، فيما كل طموحه عقد صفقة معها.
في النهاية إن المواطن الإيراني خصوصاً الجيل الشاب لا يكره "الشيطان الأكبر" بل على العكس من ذلك لديه عشق ليس بعده عشق للقيم الأمريكية وفي مقدمتها أسلوب حياة الأمريكيين وحب الحرية وحرية الجسد لدى المرأة خصوصاً وحرية وضع الحجاب أو عدم وضعه وحرية الانتماء إلى كل ما هو حضاري في هذا العالم .