تستمر محكمة العدل الدولية في عقد جلساتها العامة لمناقشة الآثار القانونية لسياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية ، الجلسات التي بدأت في 19 فبراير وتستمر حتى 26 فبراير، تشهد مشاركة غير مسبوقة من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية.
تأتي هذه الجلسات بناءً على طلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي طلبت من المحكمة إصدار رأي استشاري حول الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ولأول مرة في تاريخ المحكمة، تستمع إلى عروض من الاتحاد الأفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، بالإضافة إلى 52 دولة من مختلف القارات.
وتهدف هذه الجلسات إلى تقديم تقييم شامل للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وتحديد مسؤوليتها القانونية والأخلاقية، وتوضيح الالتزامات الدولية للدول الأطراف في الصراع.
كما تسعى المحكمة إلى تقديم المشورة للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بشأن كيفية تطبيق القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي في فلسطين.
على الرغم من أن الآراء الاستشارية التي تصدرها محكمة العدل الدولية ليست ملزمة قانونيًا للدول، إلا أنها تحمل وزنًا أخلاقيًا وسياسيًا كبيرًا، وتعكس توجهات المجتمع الدولي والرأي القانوني العام. كما يمكن أن تصبح هذه الآراء جزءًا من القواعد العرفية للقانون الدولي، التي تعتبر مصدرًا مهمًا للقانون الدولي، وتكون ملزمة للدول.
وقد أصدرت محكمة العدل الدولية عدة آراء استشارية في الماضي بشأن قضايا حساسة، مثل الحائط الفاصل في الأراضي الفلسطينية، والاستقلال القانوني لكوسوفو، والتهديد أو استخدام الأسلحة النووية. وقد لاقت هذه الآراء احترامًا وتقديرًا من الدول والمنظمات الدولية، وساهمت في تشكيل السياسة الدولية والحوار الدولي.
من بين الدول التي قدمت مذكرات لمحكمة العدل الدولية، تبرز مصر كدولة حدودية مع إسرائيل وقطاع غزة، وكدولة تلعب دورًا رياديًا في الجهود العربية والإفريقية لدعم القضية الفلسطينية، وقد أعربت مصر عن موقفها الرافض للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ودعت إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية.
وقال الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القاهرة: إن مذكرة مصر تعكس الصورة الحقيقية لإسرائيل كدولة تنتهك القوانين والمواثيق الدولية، وتمارس جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وأضاف في تصريحات لـ«العرب مباشر»، أن مذكرة مصر تشكل تحركًا عمليًا وفعالًا على أرض الواقع، وليس مجرد استنكار وإدانة، مشيرًا إلى أن مصر تعمل بالتنسيق مع جنوب إفريقيا والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، في جبهة واحدة ضد الممارسات الصهيونية.
وأوضح أن مصر تحمل مسؤولية كبيرة في الدفاع عن القضية الفلسطينية، لأن أمنها القومي يتأثر بما يحدث في الجوار، ولأنها تمتلك تاريخًا وخبرة في العلاقات الدولية.
في سياق آخر، يقول د. أحمد فوزي، أستاذ القانون الدولي: إن المحكمة الدولية تضيع وقتها في إصدار رأي استشاري لا يلزم إسرائيل بوقف إبادة غزة، ويضيف أن قضية فلسطين تتطلب تغييرًا جذريًا في النظام القانوني العالمي الذي لم يعد يتناسب مع التحديات الراهنة.
في حين تستمر المحكمة الدولية في عقد جلسات الاستماع لمدة أسبوع، ينتظر العالم أن تصدر رأيها الاستشاري غير الملزم خلال عام. ويعتبر الدكتور فوزي أن هذا الرأي، مهما كان محتواه، لن يكون له أي تأثير على واقع الاحتلال الإسرائيلي والعدوان على غزة.
ويقول: "هذا الرأي يتجرد من كل قوة إنسانية أو أخلاقية، فهو يترك غزة تغرق في دمائها ودموعها، بينما يتمتع بقوة أدبية وأخلاقية فقط".
ويستشهد الدكتور فوزي بالتاريخ ليثبت أن إسرائيل لا تحترم القانون الدولي ولا تلتزم بالأحكام الصادرة ضدها. ويذكر أن المحكمة الدولية أصدرت في عام 2004 رأيا استشاريًا أعلن فيه أن الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني ويجب هدمه.
ولكن إسرائيل تجاهلت هذا الرأي وواصلت بناء المستوطنات والاستيلاء على الأراضي، ويقول: "إسرائيل تتصرف كأنها سيدة العالم، وكأنها تتحكم في المنظمة الدولية وتحركها كقطع شطرنج بحسب مصالحها".
ويطالب الدكتور فوزي بأن تتخذ المحكمة الدولية إجراءات عاجلة لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة ومنع إبادة شعبها، مضيفًا كان الأولى بالمحكمة أن تتدخل لحماية الحقوق الإنسانية للفلسطينيين، بدلا من إضاعة وقت العالم في آراء استشارية لا تنفذها إسرائيل.