يعد التوريث أهم سر من أسرار جماعة الإخوان المسلمين، فاستمرار الجماعة في دورها الوظيفي في المجتمع لا يرتكز على فكرة دينية خالصة؛ بل يعتمد على ترسيخ أفكار تنظيمية في ثوب ديني، والأخطر أنّ هذه الأفكار لا تدعم الانتماء ولا تشيع السلام، ولا تعمل على تنشئة صحيحة لعناصرهم؛ فالتربية عند الإخوان ليست كما يفهم التربويون أنها تعديل في السلوك أو الوصول بالمربى لأن تكون سلوكياته إيجابية في كثير من النواحي؛ بل الوصول بالعنصر الإخواني لأن يكون تابعاً شديد الولاء للجماعة على حساب أي كيان آخر.
إنّ عملية التوريث في الإخوان هي القدرة على غرس قيم الجماعة التنظيمية ونقل المشاعر السلبية مثل عدم الانتماء للوطن، الاستعلاء والإحساس بالتفوق النوعي، والشعور بالحقد والكراهية والتشفي، وأخيراً الرغبة في الثأر والانتقام، كل تلك المشاعر التي حصدوها في كل تجاربهم الفاشلة السابقة ينقلونها إلى الأجيال التالية، وتحتاج إلى ثلاثة أركان؛ المورثون: وهم الأجيال السابقة، والوارثون وهم: الجيل الحالي، والميراث وهو: قيم الجماعة التنظيمية، أما آلية التوريث: فهي نقل حصاد تجارب التنظيم السابقة للأجيال التالية عبر وسائل مختلفة؛ منها لقاءات الأسرة التربوية (الخلية الأولى في التنظيم)، ولقاءات الكتائب ولقاءات التثقيف ووضوح الرؤية التي تعد الحبل السري الممتد من القيادة إلى القاعدة.
ثم يورث الإخوان لاتباعهم أنهم يحتكرون الحق والإيمان، ولذلك يدعون المجتمع إلى ما هم عليه، وليس إلى ما عليه الإسلام، هذا الاستعلاء يبدأ بالتأكيد على أنّهم متفرّدون عن أقرانهم وأقاربهم لأنّهم يعملون للإسلام، وأنهم الأكثر فهماً للإسلام بل هم وحدهم من حباهم الله تعالى بفهم صحيح للدين، وأنّ غيرهم متردد ونفعي، وأنّهم وحدهم ورثة رسول الله، والذين يحملون رايته، وأنّ وعد الله لهم أنهم سينتصرون كما انتصر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأنّ العالم أجمع سيحاربهم، وعليهم ألّا يغتروا بأهل التدين وبصلاحهم، ولا بأصحاب الهيئات ورؤساء الحكومات، ولا برجال الأعمال ورؤساء الأحزاب، ولا بعلماء الدين من غير الإخوان، فالكلّ سيعادي الإخوان، لا لشيء إلّا لأنهم إخوان، لذا لا يقبل أعضاء الجماعة أي نقد لجماعتهم أو قادتهم، أو أي دراسة عن أخطاء الجماعة سياسياً وتنظيمياً، ولا يسمحون حتى لقراءة جديدة لتاريخ الإخوان، فميراثهم الذي استلموه من الأجيال السابقة يؤكد أنّهم الحق وغيرهم هو الباطل، ولا يمكن لهم أن يسمحوا لأهل الباطل أن ينتقد أهل الحق!!
في النهاية لا يمكن أنّ نعتبر أنّ الثقافة الإسلامية "القشرية" التي يتمسح بها الإخوان هي ميراث الجماعة، بل ميراثهم الحقيقي بث الكراهية والفرقة وعدم الانتماء والاندفاع نحو الثأر والانتقام، وكل من يعتبر جماعة الإخوان "جماعة دعوية" دون أن يرى الآثار الجانبية لها يرتكب خطأ كبيراً في حق الأجيال التالية، التي يجب أن تعرف حقيقة الدور الوظيفي لهذه الجماعة، وكيف شوّهت روح وعقل أتباعها، وسهّلت الخيانة للوطن بزعم اختلاف وجهات النظر.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق