دخلت فرنسا نهاية عام 2020 حلقة صراع مع آلة الإخوان المسلمين، على خلفية الخلاف الذي نشب بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، والذي انتهى بعبارات دبلوماسية، لكنّ تأثيره على فرنسا القومية بقي حتى اللحظة، مستشعرة بالخطر الذي يُحدق بها بسبب التواجد الكبير للإخوان المسلمين على أراضيها، وقدرة التنظيم على تحريك جموع غفيرة من الفرنسيين المسلمين ضد النظام.
وبحسب دراسة نشرها مركز الدراسات الأوروبي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات، تضمّ فرنسا أكبر عدد من الجاليات المسلمة في أوروبا، حيث يُقدّر عدد المسلمين الذين يعيشون في المجتمع الفرنسي بحوالي (6) ملايين مسلم، وهو العدد الأكبر بين دول أوروبا، ومن الجدير بالذكر أنّ الغالبية الساحقة من مسلمي فرنسا هم من دول المغرب العربي ونسبتهم (82%) من مجمل مسلمي فرنسا (43.2%) من الجزائر، و(27.5%) من المغرب و(11.4%) من تونس، و(9.3%) من أفريقيا جنوب الصحراء، و(8.6%) من تركيا، و(0.1%) فرنسيون تحوّلوا إلى الإسلام، نحو (70,000) متحولاً.
وتغلغلت جماعة الإخوان في الجاليات العربية والمسلمة في فرنسا، لينشروا أفكارها بين أبنائها، وليشكلوا قاعدتهم الخاصة، واتجه الفرع الإخواني الفرنسي نحو بناء شبكة منظمات وجمعيات وارتباط بالأحزاب السياسية داخل المجتمع الفرنسي تنشط في مختلف النواحي، مستغلاً لهذه الأعداد الكبيرة من الجاليات المسلمة التي تعيش داخل المجتمع الفرنسي، والتي تنصّب جماعة الإخوان نفسها بديلاً عن هذه الجاليات؛ بهدف خدمة مصالح مشتركة بينها وبين الأحزاب السياسية الفرنسية. ويرجع السبب في تزايد قوة وانتشار الإسلام السياسي في فرنسا إلى تزايد أعداد المهاجرين القادمين إليها، وخاصة بعد أن أصدرت فرنسا قانون التجمّع العائلي الذي سمح للعمال المسلمين باستقدام عائلتهم من بلادهم الأصلية، بحسب الدراسة.
وتوضح الدراسة أنّ جماعة الإخوان نشطت في المجتمع الأوروبي وسعت لاستخدام المنظمات غير الحكومية الفرنسية غير الهادفة للربح، مثل الجمعيات الخيرية والمساجد وغيرها من المؤسسات، بهدف الترويج لأفكارها المتطرفة، والقيام بأعمال العنف والتطرف.
ولكن ما هو جدير بالذكر أنّ الأجهزة الاستخباراتية كشفت عن وجود رابط بين جماعة الإخوان وبين بعض الأحزاب السياسية في فرنسا، تربط بعضهم البعض مصالح سياسية مشتركة؛ متمثلة في استغلال الإخوان للجاليات الإسلامية وتوظيفها لخدمة أهدافها في المجتمع الفرنسي، وخاصة فيما يتعلق بالممارسات السياسية، ومثلت الكتل الإسلامية وسيلة للضغط على الدول الأوروبية لدعم سياسيين أو أحزاب في الانتخابات، حيث يعطون أصواتهم وأصوات الجاليات المسلمة التي تُشكّل كتلة سياسية انتخابية كبيرة لدعم حزب معيّن أو خسارة آخر، مقابل الحصول على الدعم السياسي والمالي من الحكومة الفرنسية.
وتشترك الحركات بوجه عام، وفق الدراسة، فيما يُسمّى بالاستغلال السياسي للأزمات، وتوظيفها سواء للوصول إلى السلطة أو التحريض ضد الأنظمة الحاكمة ومحاولة تشويه صورتها، أو في التغلغل في المجتمع وبناء قاعدة شعبية لها، وخاصة ضمن أوساط الطبقات الفقيرة والمهمشة، وتأتي جماعة الإخوان في مقدمة هذه الحركات التي لم تترك أزمة، أيّاً كانت، سياسية أو اقتصادية أو إنسانية، إلّا وحاولت استغلالها لتعظيم مكاسبها وتعزيز نفوذها.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق