تاريخ صناعة الرموز داخل جماعة الإخوان المسلمين يمتد من المؤسس حسن البنا حتى اليوم، وهي رحلة مليئة بالمنعطفات والتقلبات ومكتظة بالدروس التي تعلمها الإخوان عبر تاريخهم، إنّ فهم وكشف لماذا وكيف يصنع الإخوان رموزهم، يؤمّن الجبهة الداخلية لأي محاولة لاختراقها عبر رموز الجماعة وفضح أساليبهم ومخططهم لتسريب أفكارهم المسمومة في المجتمع.
أدرك الإخوان أنّ وجود شخصيات عامة ورموز مجتمعية مهم للغاية في تقديم الصورة الذهنية للجماعة، كما أنّهم يقومون بدور الظهير الشعبي المدافع عن الجماعة عندما تتعرض لأي انتقاد أو هجوم، والناس عادة تميل لأصحاب الهيئات والمناصب والوجاهة، فيصبح وجود هؤلاء في الجماعة دليلاً على صحة أغراض التنظيم، أو هكذا كان يسوق الإخوان لرموزهم.
تمر صناعة الرمز الإخواني بأربع مراحل غاية في الأهمية والدقة، الأولى مرحلة الترشيح، تبدأ بترشيح عضو الجماعة الذي تتوافر فيه صفات أساسية، أهمها على الإطلاق التأكد من ولائه ومن حقيقة عضويته في الجماعة. الثانية مرحلة الاختيار وتشمل هذه المرحلة عقد عدة لقاءات مع المرشحين لفهم شخصياتهم وهل يصلحون أم لا لمهمتهم الجديدة، بعدها يتم اختيار المجموعة التي سيطبق عليها برنامج صناعة الرموز.
الثالثة مرحلة التأهيل وفيها يتم عقد دورات عامة تشمل التدريب على الخطاب الجماهيري، مثل فن الإلقاء وفن التعامل مع الجماهير وفن انتزاع التصفيق، ودورات في اختيار الزي والملبس وطرق عقد رابطة العنق، ويتم تدريس فن سرقة الأضواء من الآخرين .
كما تُعقد أيضاً دورات تخصصية للجانب الذي سيشغله الرمز. المرحلة الرابعة طرح الرمز للمجتمع: الشخصيات التي قررت الجماعة تقديمها كرموز سياسية؛ فيتم عقد ندوات ويتم طرحه كمتحدث عن الجماعة، وبالتكرار يصبح وجهاً معروفاً في الائتلافات السياسية ويتم الترويج له في الشارع المصري باعتباره حاملاً لفكر الإخوان فإذا كان الرمز رجل مجتمع يتم تكوين لجنة تديره، وعليه تنفيذ ما يطلب منه بمنتهى الدقة .
وتصحبه اللجنة إلى الجنائز المهمة التي يجب أن يحضرها بل يتصدر المشهد فيها وتقديم واجب العزاء، وذلك لكسب العائلات الكبرى، وكذلك المناسبات العامة والأفراح للشخصيات المهمة، كما يتم تسويقه باعتباره (مرضياً) أي قاضٍ في القضاء العرفي إذا كان في مجتمع شعبي يحتكم للأحكام العرفية، وتتعدد مجالات الرموز الإخوانية وتشمل أعمال البر والجمعيات الخيرية والعمل النقابي الخدمي.
وإلى ما قبل أحداث "الربيع العربي" لم ينجح الإخوان كثيراً في صناعة رموز شعبية مهمة، وكل ما قدموه عبر تاريخهم الممتد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، رغم الإمكانيات الضخمة والإنفاق غير العادي، ففي الغالب تتلاشى نجومية رموز الإخوان وتنصرف عنهم الجماهير، نظراً لتمحورهم حول أفكار التنظيم مع وجود قيود تنظيمية تمنعهم حرية الحركة وحرية التفكير، إضافة إلى أنّ صناعتهم تركزت في حقل العمل السياسي المليء بالهجوم والصراعات مما عرّض شخصياتهم للضغوط وللهجوم فلم يصمدوا كثيراً.
من المحتمل أن تكون بعض رموز الإخوان المصنوعة قد رجعت إلى رشدها، أو ضعف تأثيرها الجماهيري، نظراً لما تقوم به الجماعة من مخططات تدميرية للأوطان العربية، ونظراً لانصراف الجماهير عن الجماعة ذاتها، لكن المؤكد أنّ الجماعة لن تكف ولن تملّ من صناعة رموز لهم في كل فترة لضمان وجود من يمهد لهم الطريق للعودة مرة ثانية لهذا وجب التنبيه والتحذير من خطورة رموز الإخوان الجماهيرية.
ليست هناك تعليقات:
اضافة تعليق